التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

بين الأبيض والأسود ، ألوان..

  (1)        يقول الله عز و جل في كتابه " من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" سورة الذاريات ، لم تقتصر الآية على النوع البشري ، وإنما في كلمة "شيء" تعبير عن كل ما يدخل في تركيب الكون حولنا من أزواج (الذكر والأنثى) ؛ النهار والليل، السماء والأرض، الشتاء والصيف، إلخ ...  كل تفصيلة في الطبيعة مكونة من أزواج لا تدرك قيمة أحدها إلا بوجود الآخر، كيف كنا سنعرف سكينة الليل لولا صخب النهار؟  إن تبادل الأدوار بين كل زوج يوّلد انسجاماً و يخلق تناغمًا متفردًا، وإبداعاً يُبصَر بالقلب .  يذكر شكسبير في إحدى سونيتاته : " لاحظ كيف يكون الوتر الواحد زوجًا عذبًا للوتر الآخر، يستهل أحدهما أنغامه تلو الآخر بالتبادل، أغنية بلا كلمات، تبدو لكثرتها أغنية واحدة، تقول لك في غنائها: إن الوحيد في الحياة لا وجود له . (2)       حين أتامل تصرفات الناس من حولي و ردود افعالهم، أجدها في أكثر الأحيان متشابهة، مكررة، ومحكومة بما يفعل الأغلبية، فمثلًا يجلس الناس جلسة غيبة، فيُدلي كل جالس بدلوه، قلّما تجد أحد ينسحب من هذه الجلسة، أو على الأقل يكتفي بالصمت ولا يشاركهم الحديث، في هذا ال
آخر المشاركات

عن العزّة و الحياء ...

 قراءة سريعة في فن الغناء الأصيل ...     من المتداول عن العرب قديمًا أنهم كانوا حريصين على إخفاء مشاعرهم لا سيّما فيما يتعلّق بالهوى، وكانوا يرون في الإفصاح عنه ضعفًا وهوانًا. فها هو الأصمعي يتجوّل في البادية وإذا به يرى صخرة مكتوب عليها : أيا معشر العشاق بالله خبّروا إذا حلّ عشق بالفتى كيف يصنع فكتب الأصمعي بيتًا تحته يرد عليه : يداري هواه ثم يكتم سره ويخشع في كل الأمور ويخضع فعاد في اليوم الذي يليه ليجد: وكيف يداري والهوى قاتل الفتى وفي كل يوم قلبه يتقطّع فكتب الأصمعي: إذا لم يجد صبرًا لكتمان سره فليس له شيء سوى الموت ينفع فجاء الأصمعي بعدها فوجد شابًا ميتًا بجانب صخرة وقد كتب عليها: سمعنا أطعنا ثم متنا فبلّغوا سلامي إلى من كان بالوصل يمنع هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهم وللعاشق المسكين ما يتجرّع هذه القصة توّضح حالة المكابرة التي كانت سائدة حينها عند العرب -ولا زالت- ، ونذكر أيضًا على سبيل الذكر لا الحصر قول المتنبي: الحب ما منع الكلام الألسنا و ألّذ شكوى عاشق ما أعلنا وقال أيضًا: وأحلى الهوى ما شكّ في الوصل ربّه وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتّقي وقال أبو فرا

نارة وحقارة - قصة قصيرة

- الأنثى طبعها الحياء، وهو إنه ما بتقدر تكون صاحبة المبادرة بأدوارها وتعبر عن حاجتها بصراحة، خصوصًا مع الذكور. يعني ممكن البنت تكون محتاجة مساعدة أخوها ليصلح الباب، على الأغلب شو رح تحكيله إنه "أخوي خرب الباب ومش راضي يسكر"، هيك هي عم تطلب منه تصليح الباب بدون   تعبير تصريحي واضح وبتستنى منه يبادر، وفي احتمال ثاني ضئيل، إنه تحكي بصريح العبارة، وفي هالحالة الصراحة بتجي من الصدق لو كان من صفاتها. - كيد المرأة -اللي مستحيل مستحيل يدركه الرجل إلا متأخر-، بصير لما تستخدم حياءها لتخضعه لسيطرتها، مشان يكون وسيلة لتنفيذ غايتها الحقيقية غير المعلنة، احكي لكم قصة فرح ونارة:   هدول جارات   بنفس العمارة، هلقيت نارة بتحسد فرح وبتغار منها، فصارت تفكر كيف بدها تحرق قلبها، لما   شافت زوج فرح طلبت منه يحمل عنها كيس الزبالة –الله يكرمكم- ، طبعا هون أخونا طبت   فيه الشهامة وساعدها وانبسط بإنه ساعد كائن ضعيف، عاد هو وقع بالفخ ومفكر حاله سيد نفسه. نارة بعد هيك راحت عند فرح تشرب عندها فنجان قهوة، وتحكي لها بنظرة ونبرة والعياذ بالله : "شفتي زوجك حمل عني كيس الزبال

كلام الناس: السُلطة غير المرئية

    (1)      يقصد بالسُلطة هي تلك القدرة التي يمنحها الناس لجماعة منهم ليتولوا أمرهم ويقضوا بينهم، فجوهر السُلطة هو توّلي أمور الناس وقضاء حوائجهم ، أمّا مظهرها فهو جماعة يرجع إليها الأمر والفصل. لكن في حال انحراف هذه الجماعة وغياب الرقابة عنها يغيب الجوهر ويبقى المظهر، فتصبح القدرة وسيلة بيدها، ترعى أهوائها وتخدم مصالحها الشخصية.      حين أشاهد الناس يتملّقون مسؤولًا ما أتعجّب من سلوكهم، فنحن نقول "مسؤول ؛ أي أن معيار التقدير له   ينبغي أن يكون على قدر تحمّله للمسؤولية المنوطة به، وأتذّكر قول زياد رحباني في أغنيته: كل المصاري اللي مضبوبة، اللي ما بتنعد ولا بتنقاس،  أصلها من جياب الناس مسحوبة، ولازم ترجع لجياب الناس في هذا المثال انحلّ جوهر السلطة مع بقاء شكلها الخارجي، الشكل الذي يتملّقه الناس، المنصب الذي يحلمونه، إن لم يتغيّر هذا التصوّر الخاطئ عن ماهية السلطة لدى الناس ويستبدل بخير منه، فلا تغيير يُرجى منها، إلّا اللهم تغيير الأسماء التي تجيء وتذهب.   "هي دي هي الأصلية" كما يكمل رحباني ..  (2)         تتنوّع السلطات وتختلف أشكال

كرة القدم .. في ملعب من؟

صورة تعبيرية             نيلسون مانديلا وفي أثناء استضافة بلاده لبطولة كأس العالم 2010 قال: "إذا كان يوجد شيء واحد على هذا الكوكب يملك القوة لتوحيد الناس؛ فإنها كرة القدم" ، ولكن وحدة من مع من؟ وهل هي مطلب دائم؟ وأيضًا وحدة ماذا بالضبط؟ وحدة الشعور أم وحدة المصير ؟ هذه التدوينة ستحاول الإجابة عن هذه التساؤلات. (1)       بداية، وفي ظل المفاهيم المتنوعة التي وضعت شارحة ماهية الوعي سنستعين بما ذكره على شريعتي في كتابه "النباهة والاستحمار" لمّا تحدث قائلًا: "عندما يشب حريق في بيت، ويدعوك أحد للصلاة، والتضرع إلى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن، لأن الاهتمام بغير اطفاء الحريق، والانصراف عنه إلى عمل آخر، هو الاستحمار، وإن كان عملا مقدسا، وقوفا في الصلاة، أو انشغالا بمطالعة أحسن الكتب العلمية والأدبية، أو مناجاة مع الله؛ وأي شيء تنشغل به في هذا المجال، يفيد أن المسبب قد استعمرك. إن أي جيل ينصرف عن التفكير في "الدراية الإنسانية " كعقيدة واتجاه فكري، ومسير حياتي، وتحرك مداوم إلى أي شيء حتى ولو كان مقدسا، هو استحمار. في ضوء ما سبق

ملناش دخل بالسياسة - قصة قصيرة

      بمناوشات يومية واحتجاجات متواصلة هنا وهناك كان رجب يقضي حياته، هذا الشاب كان من أولئك الذين لم تستطع الحياة ترويضهم، يأبى أن يسلبه أحد حقه في الرفض والذي كان حيلته الوحيدة، "رجب اللي مش عاجبه العجب" هكذا يسميه أصحابه، أولئك الذين رغم كثرتهم كان يشعر بالوحدة معهم و الوحدة صاحبه أينما ذهب.      بعد كل شجار اعتيادي وتهديد بالإقالة من قبل مدير الشركة، كان يذهب لمكتبه وفي داخله بركان من الغضب، ليس من مديره لا، بل من الاوغاد الخانعين، ينظر باشمئزاز نحوهم ويخيل إليه أنهم نسخ من (بو)، تلك اللعبة التي كان يلعبها في محاضرات   يراها لغواً، بو الذي لا تعرف أهو حبة بطاطا ام عجينة سمراء تلاعبه وتطعمه وتفعل به ما يحلو لك دون أن ينطق. في أحد الأيام رأى أن الحواجز بين وبين زملائه تكبر، فهم يرونه الشيطان الرجيم وهو يراهم (بو) المسكين، رغب بتقليصها فلمع برأسه القرار الأخير الذي قضى برفع الأسعار ولكنه لم يرغب بالسؤال عن آرائهم فهو يحفظ   هذا الغثاء عن ظهر قلب من   راديو حافلة الصباح، فسأل عن ردّات فعلهم ازاءه، يسألهم عن أمر هو الأكثر دراية به ولكن هكذا اقتضت الحاجة.      ساد

في الأبطال والأفكار وحقيقة الجهر وما يخفى

(1) في فكرة طرحها باسل الأعرج تنادي بعدم أسطرة الشهداء -أي جعلهم أبطال أسطوريين- مفادها بأن الشهيد لا يختلف عمن حوله وبالتالي يمكن لأي آخر أن يقوم مقامه أي زمان ومكان. هذا وعقب استشهاده في مطلع العام السابق كنت قد مررت بتغريدة  لصاحبه يقول فيها "اشتقتلك يا صاحبي لنحكي بالتاريخ والنسوان". ما نعرفه عن حياة باسل أنه كان ناشطًا اهتّم بالتاريخ الفلسطيني وعمل على توثيقه، صاحبه في تلك التغريدة يخبرنا عن أمر نجهله كما نجهل الكثير؛ أي أنه يذّكرنا بالفكرة التي نادى بها الشهيد، (باسل الأعرج اللي احترنا شو نعطيه لقب كان بني آدم مثلنا ). (2)   كنت قد مررت مرّة بفكرة أخرى -ولا يحضرني الآن مصدرها-تذكُر بأن لكل إنسان جوانب حياة مختلفة بالضرورة وقد سميت بالقوالب، وأن المرء يختار القالب الذي يراه أكثر راحة من غيره ليظهر به، على سبيل المثال أحدهم في أسرته هو الأخ الأوسط، هذا قالب، يتولى وظيفة المحاسبة في عمله وهذا قالب آخر وهكذا.. ولكن هل فعلًا سبب اختيار القالب الذي نوّد الظهور به هو الراحة فحسب؟ لو نظرنا بعمق لمصدر هذه الراحة فسنجدها مرتبطة بمعنى حياتنا -الذي تحدثنا عنه