سيدي الحنيني رحمه الله - صيف 2014 في هذه الصورة طلبت من جدي رحمه الله بأن يرتدي كوفيتي تيمنًا بالرئيس ياسر عرفات (كنت وقتها من سحّيجته) لأصوره بها، اعترض جدي وقتها وأخبرني بأنها لا تمثل لباس الفلاح الفلسطيني، لكنه وافق بعد ذلك جابرًا لخاطري. هُجّر جدّي من قريته البريج غرب القدس المحتلة عام 1948 ونزح إلى مخيم الدهيشة في بيت لحم، وهُجّر مرة أخرى عام 1967 من الدهيشة و لجأ إلى وطني الأردن، وأمضى فيه بقيّة حياته. سألت جدّي مرّة سؤالًا لا يخلو من التنظير ولوم الضحية وقلت له: " مرتين يا سيدي! مرتين دشّرت أرضك وشردت ؟ لا يُلذغ المؤمن من جحر مرتين! " فصَمَت جدّي قليلًا وحملق عيناه في الأرض وكأنّ شريطًا من الذكريات يمر أمامه وأجابني بنبرة مُتألمة : "لو سمعتي صوت الطخ والقصف ما بتقوليش هالحكي". والله وشفته هالمنظر اللي قلتلي عنه يا سيدي بالحرب اللي هسا، وااال على قلة الخبرة وقلة الأدب اللي كنت فيها لما سألتك هالسؤال يا حبيبي... حين كنت أنا وأولاد عمي نجلس حوله نشرب الشاي بالقُرنية ونتحدث عن كرة القدم، يغضب منا كثيرًا وينهرنا بعكازه ويقول "
(1) يقول الله عز و جل في كتابه " من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" سورة الذاريات ، لم تقتصر الآية على النوع البشري ، وإنما في كلمة "شيء" تعبير عن كل ما يدخل في تركيب الكون حولنا من أزواج (الذكر والأنثى) ؛ النهار والليل، السماء والأرض، الشتاء والصيف، إلخ ... كل تفصيلة في الطبيعة مكونة من أزواج لا تدرك قيمة أحدها إلا بوجود الآخر، كيف كنا سنعرف سكينة الليل لولا صخب النهار؟ إن تبادل الأدوار بين كل زوج يوّلد انسجاماً و يخلق تناغمًا متفردًا، وإبداعاً يُبصَر بالقلب . يذكر شكسبير في إحدى سونيتاته : " لاحظ كيف يكون الوتر الواحد زوجًا عذبًا للوتر الآخر، يستهل أحدهما أنغامه تلو الآخر بالتبادل، أغنية بلا كلمات، تبدو لكثرتها أغنية واحدة، تقول لك في غنائها: إن الوحيد في الحياة لا وجود له . (2) حين أتامل تصرفات الناس من حولي و ردود افعالهم، أجدها في أكثر الأحيان متشابهة، مكررة، ومحكومة بما يفعل الأغلبية، فمثلًا يجلس الناس جلسة غيبة، فيُدلي كل جالس بدلوه، قلّما تجد أحد ينسحب من هذه الجلسة، أو على الأقل يكتفي بالصمت ولا يشاركهم الحديث، في هذا ال