التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

بدايةً بالعلاقات ونهايةَ بالاستعمار : التسّلط نذيرًا بخراب العمران

   نشرت هذه المقالة على موقع ساسة بوست في تموز 2018 ، وأقوم الآن بإعادة نشرها على مدوّنتي بعد حذف الموقع عن الانترنت.        شكوى الكثيرين من اصحاب العلاقات الغرامية غير الناضجة والذين ينتهي بهم المطاف إلى انهاء العلاقة و غالباً ما يكررون عبارات من قبيل "لو بقينا اصدقاء" تستحق الوقوف عندها قليلاً. فبالرجوع لعلاقة الصداقة فهي قائمة على أقران متشابهين كلاهما بلا سُلطة ، أما ما يُدعى الحب أو الزواج فهو -في مجتمعاتنا- يقوم حقيقة على فرد صاحب سلطة آمر ناهي وآخر مطيع إن جاز التعبير، وغالباً ما يتم تبرير ذلك بخزعبلات متوارثة   ليلاقي الخضوع أو القبول.          التأمل في هذا يوضّح أن هذه العلاقات السلطوية بين الأفراد ما هي إلا انعكاس للعلاقة السلطوية الأبوية  والذكورية الممارسة في الاسرة والسياسية الممارَسة في المجتمع ككل؛ كأزواج المعلم والطالب ، المدير والموظف ، الشرطي و المواطن، إلخ.. وكتعويض تنفيسي يبدأ كل من تعرّض للقهر ممارسته   على من يراه أدنى منه منزلة، وينتهي الأمر بالوصول   لحلقات كحلقات الاولمبياد قوامه...
آخر المشاركات

عن العزّة و الحياء ...

 قراءة سريعة في فن الغناء الأصيل ...     من المتداول عن العرب قديمًا أنهم كانوا حريصين على إخفاء مشاعرهم لا سيّما فيما يتعلّق بالهوى، وكانوا يرون في الإفصاح عنه ضعفًا وهوانًا. فها هو الأصمعي يتجوّل في البادية وإذا به يرى صخرة مكتوب عليها : أيا معشر العشاق بالله خبّروا إذا حلّ عشق بالفتى كيف يصنع فكتب الأصمعي بيتًا تحته يرد عليه : يداري هواه ثم يكتم سره ويخشع في كل الأمور ويخضع فعاد في اليوم الذي يليه ليجد: وكيف يداري والهوى قاتل الفتى وفي كل يوم قلبه يتقطّع فكتب الأصمعي: إذا لم يجد صبرًا لكتمان سره فليس له شيء سوى الموت ينفع فجاء الأصمعي بعدها فوجد شابًا ميتًا بجانب صخرة وقد كتب عليها: سمعنا أطعنا ثم متنا فبلّغوا سلامي إلى من كان بالوصل يمنع هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهم وللعاشق المسكين ما يتجرّع هذه القصة توّضح حالة المكابرة التي كانت سائدة حينها عند العرب -ولا زالت- ، ونذكر أيضًا على سبيل الذكر لا الحصر قول المتنبي: الحب ما منع الكلام الألسنا و ألّذ شكوى عاشق ما أعلنا وقال أيضًا: وأحلى الهوى ما شكّ في الوصل ربّه وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتّقي ...

لأبي الحبيب... رسالة حُب، لا رِثاء

هذه ليست رسالة وداع، ولا رثاء لأب رحل... بل هي محاولة للحفاظ على وعد قطعته، أن يكون حبي له أكبر من حزني عليه. كتبتها لأبي -رضي الله عنه وأرضاه- في ذكرى ميلاده السادسة والخمسين، بكل ما في قلبي من امتنان. أتذكر يا أبي آخرَ يومٍ من بيت عزائك، حين وعدتُك أن يكون حبّي لك أكبر من حزني عليك؟ رغم أن عقلي كان غارقًا في صدمتَي مرضك ووفاتك، إلا أن الجزء منه الذي يُجيد مواجهة الحياة بأفكاره، بقي حاضرًا. لكن ذلك الوعد كان كلامَ مَن لم يَخبَر الفقد بعد؛ فكان الغياب أكبر مما احتملت، والامتحانُ أصعب مما ظننت. ومع ذلك، سأحاول في هذه الرسالة على الأقل أن أُنحي حزني جانبًا، لأتحدث عن حبّي لك فحسب. لا زلتُ، يا أبي، على عهدك. أفعل ما تحب، وأتجنّب ما تكره، بدرجةٍ أكبر من السابق حتى. كيف أشرح لك هذا؟ أتذكر حين كنتَ تغار وتطلب مني ألا أضع العطر خارجًا، فأقول لك: "حاضر، سأكتفي بتعطير الملابس في الخزانة"؟ الآن حتى هذا تركتُه، ويندر أن أفعله، لأُثبت لنفسي أن الغياب ما زادك إلا حضورًا. وعلى سيرة العطر؛ كنتُ مرّة أجرّب روائح العطور في السوق بدافع الفضول، لا الشراء. فعلِقت في ذهني رائحة طيلة ذلك اليوم. عد...

لِريحة البلاد في ذكرى رحيله

  سيدي الحنيني رحمه الله - صيف 2014       في هذه الصورة طلبت من جدي رحمه الله بأن يرتدي كوفيتي  تيمنًا بالرئيس ياسر عرفات (كنت وقتها من سحّيجته) لأصوره بها، اعترض جدي وقتها وأخبرني بأنها لا تمثل لباس الفلاح الفلسطيني، لكنه وافق بعد ذلك جابرًا لخاطري.      تعود أصول جدي لبلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلة، و هُجّر وقد كان في قرية البريج الواقعة غرب القدس المحتلة أيضًا في عام 1948،  فنزح إلى مخيم الدهيشة في بيت لحم، وهُجّر مرة أخرى عام   1967 من الدهيشة و لجأ إلى وطني الأردن، وأمضى فيه بقيّة حياته.     سألت جدّي مرّة سؤالًا لا يخلو من التنظير ولوم الضحية وقلت له: " مرتين يا سيدي! مرتين دشّرت أرضك وشردت ؟ لا يُلذغ المؤمن من جحر مرتين! " فصَمَت جدّي قليلًا وحملق عيناه في الأرض وكأنّ شريطًا من الذكريات يمر أمامه وأجابني بنبرة مُتألمة : "لو سمعتي صوت الطخ والقصف ما بتقوليش هالحكي".  والله وشفته هالمنظر اللي قلتلي عنه يا سيدي بالحرب اللي هسا، وااال على قلة الخبرة وقلة الأدب اللي كنت فيها لما سألتك هالسؤال يا حبيبي...   ...

بين الأبيض والأسود ، ألوان..

  (1)        يقول الله عز و جل في كتابه " من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" سورة الذاريات ، لم تقتصر الآية على النوع البشري ، وإنما في كلمة "شيء" تعبير عن كل ما يدخل في تركيب الكون حولنا من أزواج (الذكر والأنثى) ؛ النهار والليل، السماء والأرض، الشتاء والصيف، إلخ ...  كل تفصيلة في الطبيعة مكونة من أزواج لا تدرك قيمة أحدها إلا بوجود الآخر، كيف كنا سنعرف سكينة الليل لولا صخب النهار؟  إن تبادل الأدوار بين كل زوج يوّلد انسجاماً و يخلق تناغمًا متفردًا، وإبداعاً يُبصَر بالقلب .  يذكر شكسبير في إحدى سونيتاته : " لاحظ كيف يكون الوتر الواحد زوجًا عذبًا للوتر الآخر، يستهل أحدهما أنغامه تلو الآخر بالتبادل، أغنية بلا كلمات، تبدو لكثرتها أغنية واحدة، تقول لك في غنائها: إن الوحيد في الحياة لا وجود له . (2)       حين أتامل تصرفات الناس من حولي و ردود افعالهم، أجدها في أكثر الأحيان متشابهة، مكررة، ومحكومة بما يفعل الأغلبية، فمثلًا يجلس الناس جلسة غيبة، فيُدلي كل جالس بدلوه، قلّما تجد أحد ينسحب من هذه الجلسة، أو على الأقل يكتفي بالصمت ...

نارة وحقارة - قصة قصيرة

- الأنثى طبعها الحياء، وهو إنه ما بتقدر تكون صاحبة المبادرة بأدوارها وتعبر عن حاجتها بصراحة، خصوصًا مع الذكور. يعني ممكن البنت تكون محتاجة مساعدة أخوها ليصلح الباب، على الأغلب شو رح تحكيله إنه "أخوي خرب الباب ومش راضي يسكر"، هيك هي عم تطلب منه تصليح الباب بدون   تعبير تصريحي واضح وبتستنى منه يبادر، وفي احتمال ثاني ضئيل، إنه تحكي بصريح العبارة، وفي هالحالة الصراحة بتجي من الصدق لو كان من صفاتها. - كيد المرأة -اللي مستحيل مستحيل يدركه الرجل إلا متأخر-، بصير لما تستخدم حياءها لتخضعه لسيطرتها، مشان يكون وسيلة لتنفيذ غايتها الحقيقية غير المعلنة، احكي لكم قصة فرح ونارة:   هدول جارات   بنفس العمارة، هلقيت نارة بتحسد فرح وبتغار منها، فصارت تفكر كيف بدها تحرق قلبها، لما   شافت زوج فرح طلبت منه يحمل عنها كيس الزبالة –الله يكرمكم- ، طبعا هون أخونا طبت   فيه الشهامة وساعدها وانبسط بإنه ساعد كائن ضعيف، عاد هو وقع بالفخ ومفكر حاله سيد نفسه. نارة بعد هيك راحت عند فرح تشرب عندها فنجان قهوة، وتحكي لها بنظرة ونبرة والعياذ بالله : "شفتي زوجك حمل عني ك...

كلام الناس: السُلطة غير المرئية

    (1)      يقصد بالسُلطة هي تلك القدرة التي يمنحها الناس لجماعة منهم ليتولوا أمرهم ويقضوا بينهم، فجوهر السُلطة هو توّلي أمور الناس وقضاء حوائجهم ، أمّا مظهرها فهو جماعة يرجع إليها الأمر والفصل. لكن في حال انحراف هذه الجماعة وغياب الرقابة عنها يغيب الجوهر ويبقى المظهر، فتصبح القدرة وسيلة بيدها، ترعى أهوائها وتخدم مصالحها الشخصية.      حين أشاهد الناس يتملّقون مسؤولًا ما أتعجّب من سلوكهم، فنحن نقول "مسؤول ؛ أي أن معيار التقدير له   ينبغي أن يكون على قدر تحمّله للمسؤولية المنوطة به، وأتذّكر قول زياد رحباني في أغنيته: كل المصاري اللي مضبوبة، اللي ما بتنعد ولا بتنقاس،  أصلها من جياب الناس مسحوبة، ولازم ترجع لجياب الناس في هذا المثال انحلّ جوهر السلطة مع بقاء شكلها الخارجي، الشكل الذي يتملّقه الناس، المنصب الذي يحلمونه، إن لم يتغيّر هذا التصوّر الخاطئ عن ماهية السلطة لدى الناس ويستبدل بخير منه، فلا تغيير يُرجى منها، إلّا اللهم تغيير الأسماء التي تجيء وتذهب.   "هي دي هي الأصلية" كما يكمل رحباني .. ...