التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كرة القدم .. في ملعب من؟

صورة تعبيرية

      
     نيلسون مانديلا وفي أثناء استضافة بلاده لبطولة كأس العالم 2010 قال: "إذا كان يوجد شيء واحد على هذا الكوكب يملك القوة لتوحيد الناس؛ فإنها كرة القدم"، ولكن وحدة من مع من؟ وهل هي مطلب دائم؟ وأيضًا وحدة ماذا بالضبط؟ وحدة الشعور أم وحدة المصير؟ هذه التدوينة ستحاول الإجابة عن هذه التساؤلات.


(1)

      بداية، وفي ظل المفاهيم المتنوعة التي وضعت شارحة ماهية الوعي سنستعين بما ذكره على شريعتي في كتابه "النباهة والاستحمار" لمّا تحدث قائلًا:

"عندما يشب حريق في بيت، ويدعوك أحد للصلاة، والتضرع إلى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن، لأن الاهتمام بغير اطفاء الحريق، والانصراف عنه إلى عمل آخر، هو الاستحمار، وإن كان عملا مقدسا، وقوفا في الصلاة، أو انشغالا بمطالعة أحسن الكتب العلمية والأدبية، أو مناجاة مع الله؛ وأي شيء تنشغل به في هذا المجال، يفيد أن المسبب قد استعمرك. إن أي جيل ينصرف عن التفكير في "الدراية الإنسانية " كعقيدة واتجاه فكري، ومسير حياتي، وتحرك مداوم إلى أي شيء حتى ولو كان مقدسا، هو استحمار.

في ضوء ما سبق، فإن الاستحمار؛ الذي هو مقابل النباهة والوعي، وإغفال المصير الإنساني، دائمًا ما كان اللعبة التي تحترفها الأنظمة استعمارية كانت أم استبدادية لخدمة مصالحها بأقل التكلفة، هذه اللعبة المتنوعة الوسائل كرة القدم إحداها.

 

(2)

      متابعة لما سبق، إنّ المُتابع لكرة القدم يدرك أنّ إثارة العنصرية بين جماهيرها لخدمة أغراض سياسية أمر شائع و دارج الاستخدام نظرًا لعاطفية هذه الجماهير وجهلها مما يجعل التحكم بها أكثر سهولة.

 ولكن ما قد يخفى على الكثيرين أن الاستعانة بكرة القدم لتوحيد المشاعر قد يستخدم أيضًا لخدمة تلك الأغراض، فأي وحدة تلك التي يُنادى بها بين الظالم والمظلوم وبين السيد والعبد أو بين الجائع والمتخم! في هذا المقام الوحدة هي استحمار من نوع آخر، و"كلمة حق يُراد بها باطل".

فعلى سبيل المثال، قد يستغل ديكتاتور فرصة مشاركة منتخب البلاد في بطولة ما، فيخرج للإعلام في كل حين مدّعيًا مؤازرة المنتخب، مستعطفًا شعبه راجيًا توحيدهم خلفه ومحاولًا غسل جرائمه. وقد يخرج أيضًا رّب عمل برجوازيّ جشع يفعل الفعلة ذاتها أمام عمّاله. في كلتا الحالتين؛ يتوّجب على الشعب والعمال إدراك أنهم قد يشتركون في تشجيع الفريق مع هؤلاء الاثنين، ولكنهم لم ولن يكونوا واحدًا أبدًا.

 

(3)

      في المقابل، إن تعاطف جماهير كرة القدم داخل المستطيل الأخضر مع قضايا الرأي العام في مجتمعها أمر معهود لدى "الالتراس"، ولكن الهتاف بقضايا مصيرية ونقلها من خارج الملعب لداخله ففريد من نوعه، لا سيما أن الفيفا تضع عقوبات على الهتافات التي تحمل رسائل سياسية. وقد كان "التراس أهلاوي" التابع للنادي الأهلي و "التراس وايت نايتس" التابع لنادي الزمالك في مصر أوائل من ابتدع هذا في العالم العربي. التراس أهلاوي والذي لا يتبع أعضاؤه أي فصيل سياسي، كانوا قد شاركوا بثورة يناير والمظاهرات ضد الانقلاب، إلى أن دبرت لهم وزارة الداخلية بالتعاون مع مجلس إدارة النادي الأهلي مجزرة بورسعيد في الذكرى الأولى للثورة عام 2012.

فأصدر الالتراس مُندّدًا أغانٍ وهتافات شديدة اللهجة تحمل وعيًا سياسيًا عميقًا يبصر المرحلة، منها أغنية "حكايتنا" التي يُلخص فيها حكايته، وفيما يلي كلماتها:

الكورة لما جينا كانت كذب وكانت خداع
كانت مغيبة للعقول كانت للسلطة قناع
بيحاولوا يجملوها وتبقى هم للبلاد
وناسيين المدرج اللي ماليينه الاف
اقتل في الفكرة كمان والظلم في كل مكان
عمري ما هنسالك زمان كنت عبد للنظام

ولما الثورة قامت نزلنا في كل البلاد
متنا على الحرية و سقوط رموز الفساد
مسكتناش مهديناش ما لسا النظام موجود
داخلية الكلاب والظلم في كل مكان موجود
اقتل في الثورة كمان كلمة حر ليك جنان 
مهما يزيد بطش السجان قدام صوتي يكون جبان

قلناها في المدرج قدام الملايين
يسقط نظام بيقتل كل يوم في جيل و جيل
دبرولنا المؤامرة دبرولنا المستحيل
قتلوا اغلى الصحاب قتلوا حلم السنين
في بورسعيد ضحايا شافوا الغدر قبل الممات
شافوا نظام خيّر ما بين حكمه و الفوضى في البلاد
كان فاكر حكمه يوم هيخلي في اعلى مكان
والشعب الثوري يركع للعسكر زي زمان


اطلق في كلابك كمان و الفوضى في كل مكان
عمرى ما هديك امان ولا تحكمني يوم كمان
في بورسعيد كلاب لما العسكر فتحوا الباب
انطلقوا والفوضى عمت وقتلوا اغلى الشباب
منهم كان المهندس والعامل منهم ولاد
راحوا وكان مناهم حكمك لاغي في البلاد
اه يا مجلس يا ابن الحرام بعت دم شهيد بكم
لأجل ما تحمي في النظام اللي انت منه كمان 



      في الحالة الأردنية، وبصورة مغايرة، انتقلت أغنية نادي الوحدات –التي أصدرتها مجموعة وحداتي إبان انطلاقتها- من داخل الملعب لخارجه، بالتحديد إلى الاعتصام المفتوح في الجامعة الأردنية عام2016 ، فاستنار الطلاب من لحنها لصياغة حكايتهم ومطلبهم، لتخرج أغنية "جامعات مش شركات" طارحة مصير الطالب الكادح حاملة في الوقت نفسه روح المدرجات  فتقول:


رفعوا الأسعار.. رفعوا الأسعار صاروا يقبضوا بالدولار

سرقوا الملايين هالفاسدين.. سرقوا نص الكادحين

غضب طلابي احنا أعلنا اليوم .. ع الرئيسي احنا قررنا النوم

جيبوا البوليس و صفوا الدوريات .. بنضل نقول جامعات مش شركات

 

رفعوا الرسوم.. رفعوا الرسوم ع هالطالب المحروم

دعم الفقراء والبسطاء مش حكر ع الأغنياء

واحنا بنحكيها في كل المعاني .. احنا بنطالب بالتعليم المجاني

جيبوا البوليس و صفوا الدوريات.. بنضل نقول جامعات مش شركات 



 (4)

       قبل الختام، نذكر مشاركة نادي العين الإماراتي في بطولة كأس العالم للأندية الشهر المنصرم، وكيف أنّها قامت ببث روح القومية العربية عند المتابعين العرب الذين أنهكتهم الطائفية والعرقية والعنصرية وصراع العروش بغّض النظر عن جنسياتهم، و "إن كان هناك شيء قادر على توحيد الشعوب العربية" فربّما هي كرة القدم!

 

        نهاية، نجد أنّ على الشعوب التسلّح بوعيها وإدراكها لما يُراد بها، والتمسّك بحقها في تقرير مصيرها، حتى تظّل الكرة في ملعبها؛ لأن أي تقصير وتخاذل في هذا سيجعلها كرة تُركل أينما أراد بها حاملها.

تعليقات

  1. مين ..مين ..مين ..أنت بتشجع مين

    جوليا بتسأل وين الملايين
    ويييييييين ويييييييين
    بحب احكيلك يا جوليا هم بكأس العالم ملتهييـــن
    جوة الدور قاعدين و عينيهم بالتلفزيون مبحلقيـــن
    جيبي شاي و قهوة و صحن التسالي ويــــــن

    و أهل غزة بالخيم نايمين و من دورهم مشرديــــن
    ذبحونا بفلسطين ما الهم ذمة و لا ديــــــــن
    دمروا العراق و قالوا إحنا بنحب الحرية لكل الآدمـيين

    صدقوني انه هذا مش كأس العالم هذا كأس الشياطين

    شجع شجع حتى يروح صوتك علبة بيبسي ما أعطوك يا مسكين
    مع أنهم بقولوا البيبسي حبيب و مشروب كل الملاييــــن
    هم بلعبوا بالكرة لعب و بالنهاية الهم من الدولارات ملاييــن

    و المشجعين بسبوا على بعض و بترنموا بأجمل و احلى تلاحــين
    و ضرب من هون و من هون بالشباشب و رح يضلوا تايهيــن
    اغضب و عصب و اصرخ و خليك شاطر بزرع العنصرية بأرض الكنعانيين
    خلوا الاخ يكره اخوه و يتمنى زواله بفنون كإخواننا الجزائريين و المصريين
    مش بس هيك المراد و الله أعظم و أكبر زرع الفتنة بأرض المسلميـــن

    ناس محاصرين لا خبز و دواء و لا حتى كمان قشرة تيـن
    و ناس بتتسلى بالبزر و مكسرات صنعت بالصيـــن
    و بهتفو لمسي و رونالدو و كاكا تحت المدرجات مرمييـن
    و بتقولو على امريكا و اسرائيل بعون الله منصوريــن

    و بتستغربوا ليش الله بدو يودي عالنار من كل الف تسعمية و تسعة و تسعين
    كمان شوي الخبز ما رح نحصل عليه يا متخلفيــــن
    و لساتكم ورى الكرة بتصرخوا يا مجانين
    متى بالله عليكم رح تصحوا يا مؤمنين

    شو بدي بكأس العالم اذا ما كانت محررة فلسطيــــن
    و المدافعين يركضوا و يدافعوا عن مرمى المسلميــــن
    بس قلي يا خال بالله عليك انت بتشجع قلي ميــــن

    و بعد كل هذا و لساتك يا جوليا بتسألي و ين الملاييــن
    يا جوليا كل الناس صدقيني و أنا معهم تحت التخدير قاعدين
    احكوا لي انتو شو رأيكم بالله عليكم وين الملاييـــــن
    2010

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلام الناس: السُلطة غير المرئية

    (1)      يقصد بالسُلطة هي تلك القدرة التي يمنحها الناس لجماعة منهم ليتولوا أمرهم ويقضوا بينهم، فجوهر السُلطة هو توّلي أمور الناس وقضاء حوائجهم ، أمّا مظهرها فهو جماعة يرجع إليها الأمر والفصل. لكن في حال انحراف هذه الجماعة وغياب الرقابة عنها يغيب الجوهر ويبقى المظهر، فتصبح القدرة وسيلة بيدها، ترعى أهوائها وتخدم مصالحها الشخصية.      حين أشاهد الناس يتملّقون مسؤولًا ما أتعجّب من سلوكهم، فنحن نقول "مسؤول ؛ أي أن معيار التقدير له   ينبغي أن يكون على قدر تحمّله للمسؤولية المنوطة به، وأتذّكر قول زياد رحباني في أغنيته: كل المصاري اللي مضبوبة، اللي ما بتنعد ولا بتنقاس،  أصلها من جياب الناس مسحوبة، ولازم ترجع لجياب الناس في هذا المثال انحلّ جوهر السلطة مع بقاء شكلها الخارجي، الشكل الذي يتملّقه الناس، المنصب الذي يحلمونه، إن لم يتغيّر هذا التصوّر الخاطئ عن ماهية السلطة لدى الناس ويستبدل بخير منه، فلا تغيير يُرجى منها، إلّا اللهم تغيير الأسماء التي تجيء وتذهب.   "هي دي هي الأصلية" كما يكمل رحباني .. ...

بين الأبيض والأسود ، ألوان..

  (1)        يقول الله عز و جل في كتابه " من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" سورة الذاريات ، لم تقتصر الآية على النوع البشري ، وإنما في كلمة "شيء" تعبير عن كل ما يدخل في تركيب الكون حولنا من أزواج (الذكر والأنثى) ؛ النهار والليل، السماء والأرض، الشتاء والصيف، إلخ ...  كل تفصيلة في الطبيعة مكونة من أزواج لا تدرك قيمة أحدها إلا بوجود الآخر، كيف كنا سنعرف سكينة الليل لولا صخب النهار؟  إن تبادل الأدوار بين كل زوج يوّلد انسجاماً و يخلق تناغمًا متفردًا، وإبداعاً يُبصَر بالقلب .  يذكر شكسبير في إحدى سونيتاته : " لاحظ كيف يكون الوتر الواحد زوجًا عذبًا للوتر الآخر، يستهل أحدهما أنغامه تلو الآخر بالتبادل، أغنية بلا كلمات، تبدو لكثرتها أغنية واحدة، تقول لك في غنائها: إن الوحيد في الحياة لا وجود له . (2)       حين أتامل تصرفات الناس من حولي و ردود افعالهم، أجدها في أكثر الأحيان متشابهة، مكررة، ومحكومة بما يفعل الأغلبية، فمثلًا يجلس الناس جلسة غيبة، فيُدلي كل جالس بدلوه، قلّما تجد أحد ينسحب من هذه الجلسة، أو على الأقل يكتفي بالصمت ...

عن تجارة القضايا ..

         فرق كبير بين أن ( تغنّي قضية ) و أن ( تغنّي للقضية ) فالقضية في الأولى مفعول به لفعل أنت فاعله ، بينما الزيادة في الثانية بإضافة حرف الجر (اللام) أفادت التعليل لتصبح القضية اسماً مجروراً ، القضية مجرورة و بالضبط  هذا ما يحصل  .          للتوضيح أذكر على سبيل المثال كاركتير ناجي العلي الذي يظهر فيه ذو المؤخرة السمينة -الذي اعتدناه رمز القيادات العربية في رسوماته- و هو يكتب بخط معوّج على جدار مسطّر "من رأى منكم اعوجاجاً مني بدي ألعن اللي خلّفه" ، بالمقابل أذكر رسماً لقبة الصخرة و قد زيّنتها الألوان الباهرة و الخطوط المتقنة ، وأتساءل لو نزعنا فلسطينية ناجي العلي من رسمه  ماذا سيتبّقى ؟ الحقيقة القائلة بأن الأنظمة العربية قائمة على استبداد شعوبها. بينما لو نزعنا فلسطينية اللوحة الثانية ماذا بقي ؟ مجرد خطوط و ألوان - طبعًا أقدّر القيمة الفنية وما إلى ذلك و لكنني أتحدث في هذا المقام عن القيمة الأخلاقية-  و هنا يكمن الفرق ؛ الأول عبّر عن قضيته بريشته و واجهه فيها ذوي المؤخرات السمينة الحقيقي...