بمناوشات يومية واحتجاجات متواصلة هنا وهناك كان
رجب يقضي حياته، هذا الشاب كان من أولئك الذين لم تستطع الحياة ترويضهم، يأبى أن
يسلبه أحد حقه في الرفض والذي كان حيلته الوحيدة، "رجب اللي مش عاجبه العجب"
هكذا يسميه أصحابه، أولئك الذين رغم كثرتهم كان يشعر بالوحدة معهم و الوحدة صاحبه أينما
ذهب.
بعد كل شجار اعتيادي وتهديد بالإقالة من قبل
مدير الشركة، كان يذهب لمكتبه وفي داخله بركان من الغضب، ليس من مديره لا، بل من
الاوغاد الخانعين، ينظر باشمئزاز نحوهم ويخيل إليه أنهم نسخ من (بو)، تلك اللعبة
التي كان يلعبها في محاضرات يراها لغواً،
بو الذي لا تعرف أهو حبة بطاطا ام عجينة سمراء تلاعبه وتطعمه وتفعل به ما يحلو لك دون
أن ينطق.
في أحد الأيام رأى أن الحواجز بين وبين
زملائه تكبر، فهم يرونه الشيطان الرجيم وهو يراهم (بو) المسكين، رغب بتقليصها فلمع
برأسه القرار الأخير الذي قضى برفع الأسعار ولكنه لم يرغب بالسؤال عن آرائهم فهو
يحفظ هذا الغثاء عن ظهر قلب من راديو حافلة الصباح، فسأل عن ردّات فعلهم ازاءه،
يسألهم عن أمر هو الأكثر دراية به ولكن هكذا اقتضت الحاجة.
ساد الصمت حينا و بدت أعينهم تحملق للأسفل، وكأنهم
قد بدؤوا يتذكرون أمورا يخجلون من الحديث عنها. كان الأول شاباً يسترجع كيف أنه فكر وقلق
كثيرا وخشي عدم استطاعته تدبر أمور زواجه الذي يأمله، ثم أنهى القصة بتناول زجاجة خمر
على قارعة طريق مهجور.
الثاني كان أربعينياً يعاني من أزمة
منتصف العمر، تذكر كيف انه صرخ بزوجته كثيرا وهددها بالزواج من ثانية، ثم فتح
حسابه في الفيسبوك ليبعث لفتاة لا يعرفها رسالة تقول "مرحبا ! ممكن
نتعرف".
اما الثالث فكان فتاة لها أخ كالأول و أب
كالثاني، تذكرت كيف أنها لم تهتم للامر و لكنها عانت من الظروف التي تعيشها أسرتها
و كعادتها بدأت تأكل بلا جوع علها تسد ما يفوتها وتُسكت قلقها.
نظر رجب في صمتهم و حدث نفسه قائلا: نسخ بو أولئك بارعون في الهروب من كل ما
يعترضهم عوضا عن مواجهته ، اما التعويض عما يفقدونه في كل يوم فيكون في الخمر، العلاقات العابرة والطعام بلا
موعد! وتساءل هل قول وكلمة (بدّيش) تحتاج كل هذا العناء! ثم كف عن التفكير وبدا و كأنه ينتظر ردودهم.
بعد ذلك رفعوا رؤوسهم و أوشحوا بنظرهم عن رجب
و كأنه فرد من جهاز المخابرات و قالوا جميعاً بصوت هافت : ملناش دخل بالسياسة ..
تعليقات
إرسال تعليق