حين أصادف شخصًا يعاني من اضطراب ما في
شخصيته أو مشكلة ظاهرة في تكوينه فإنني سرعان ما أعزو سبب ذلك الى وجود خلل
بالضرورة في بيئته الأولى اي اسرته.
على سبيل المثال ، حين أشاهد شابّا لرفاقه
النصيب الأكبر من وقته افهم مباشرة بأن دور الاب و الأخ في الأسرة لا
يُؤدّى كما يجب و إلّا لما احتاج وجودا لرفقة خارجية تشغل وقته الى هذا الحد .
أيضًا حين ألحظ فتاة تُغالي من رفع شأن صديقاتها في حياتها فيتبادر الى ذهني
الفعالية الغائبة للأم و الأخت في الاسرة هذه. اضف على هذا حين تفقد الفتاة
الاهتمام من أبيها و أخيها فستبحث عن مصدر اخر له خارج اسرتها ، و الفتى
الذي لا يلقَ اهتماما من أمه و أخته سيبحث عن تعويض خارجي لذلك من الجنس
الاخر ، ولعل ذلك احد أسباب كثرة العلاقات المبكرة و غير الناضجة بين الجنسين ،
ليأتي المجتمع بعد ذلك و ينعت هؤلاء (بقلة الحيا) .
إضافة إلى ما تقدّم فأنا لا أنكر
الاحتياج العاطفي و السلوك الفطري للارتباط كدوافع طبيعية و سليمة لإنشاء
العلاقات و لكنّي في هذا المقام أتحدث عن تعويض الاهتمام المفقود كدافع
لإنشاء مثل هذه العلاقات والتي غالبا ما تأتي في وقت مبكّر من العمر .
وتجدر الإشارة هنا بأن التعميم لا يصّح ،
فربما ذلك الشاب يجد مع رفاقه هروبا من مشكلاته ، وتلك الفتاة تجد رفقة صديقاتها
كتمًا لصوت الفراغ في داخلها ، أي أن الصورة الخارجية قد تتشابه و لكن الدوافع
تختلف ، وحديثنا هنا عن الدوافع-وهي البحث عن الاهتمام- المذكورة آنفا و التي تظهر
كاضطراب عام في الشخصية نظرا لتزايد عمقها مع مرور الوقت .
بالعودة الى الاسرة في مجتمعنا
يقتصر دور الاب على تأمين الاحتياجات المادية ، اما الام فعلى تدبير أمور
المنزل المختلفة ، فنجد أن الأبناء قلّما تسنح لهم فرصة الحديث مع والديهم
ليحكوا لهم قصص يومهم و يشكوا لهم أحزانهم و يشاركونهم افراحهم الصغيرة ، فيظن
الوالدان ان الاهتمام يقتصر على مصروف قبل الدوام و وجبة طعام بعده ، ويُغفلون
حاجة المرء لأذن تصغي له و قلب يواسيه و يدا تربت على كتفه و أخرى تُنهضه من سقوطه
، جرّب ان تجلس مع أحدهم و قم بدور المستمع فقط و انظر كيف سيحكي لك الكثير و
الكثير ان وجدك مهتما بصدق لما يقوله ، بالتأكيد لو وجد من يصغي له و يفهمه في
بيته لما احتاجك ! جرّب أيضا تكرار ملاعبة الاطفال و شاهد
تعلّقهم الشديد بك ، ستجد ان اباءهم يتركونهم مع الأجهزة اللوحية
بمفردهم و يحسبون ذلك عناية ! من الأمثلة المشابهة لذلك مشاركة
الكثيرين أخبارهم اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي ، لو وجدوا من يشاركهم
تفاصيلها هل سيضطرون لمشاركتها مع العامة ؟ و لعل هذا يقف وراء ظاهرة
الكتابة على الجدران بالكثرة التي نشاهدها ، لا أنسى عبارة تكرر معناها على أكثر
من جدار تقول " لو وجدنا من يسمعنا لتركنا الجدران ! ".
لنعد مجددا الى الاسرة ، هل يفكّر الآباء
بحجم هذه المسؤولية ؟ هل هدف الانجاب هو انتاج افراد بشخصيات متزنة
فاعلة ام يتلّخص فقط بكونه عملية بيولوجية ؟ هل يوضع الأطفال
المستقبليين و شتّى امورهم ضمن معيار اختيار الشريك المناسب أم أن معايير
المجتمع المسبقة الصنع أوْلى ؟ هل من أهداف الزواج حفظ النسل قلبا و
قالبا أم يقتصر على الاستقرار العاطفي و اشباع الرغبات الجنسية ؟
طبعا لا نختلف بأن لكلٍ حق الحرية في اختيار
شريكه و لكن دعونا لا نغفل بأن الحق هذا يتوقف حين يتصادم مع حقوق الاخرين ، هؤلاء
الاخرين هم أطفال الغد و شباب ما بعد الغد ، لهم حقهم بالرعاية و العطف التربية ؛
فيتوّجب علينا حين نفكّر في حقوقنا الّا نغفل حقوقهم والتي مراعاتها واجب لا منّة
و فضل،والتقصير في ذلك سيؤدي الى قصورهم و سيكون سببا لويلاتهم وعلّاتهم.
لو بوسعي أن أقول لكل المقبلين على الزواج
"فكّروا بأطفالكم" ، و لكل الآباء " استمعوا لأولادكم "
، ولكل الأبناء " بوحوا لأخوتكم بما في خواطركم "
و لأن ليس بوسعي فعل ذلك فها أنا أكتب
هذه السطور ...
حين أصادف شخصًا يعاني من اضطراب ما في شخصيته أو مشكلة ظاهرة في تكوينه فإنني سرعان ما أعزو سبب ذلك الى وجود خلل بالضرورة في بيئته الأولى اي اسرته.
على سبيل المثال ، حين أشاهد شابّا لرفاقه النصيب الأكبر من وقته افهم مباشرة بأن دور الاب و الأخ في الأسرة لا يُؤدّى كما يجب و إلّا لما احتاج وجودا لرفقة خارجية تشغل وقته الى هذا الحد . أيضًا حين ألحظ فتاة تُغالي من رفع شأن صديقاتها في حياتها فيتبادر الى ذهني الفعالية الغائبة للأم و الأخت في الاسرة هذه. اضف على هذا حين تفقد الفتاة الاهتمام من أبيها و أخيها فستبحث عن مصدر اخر له خارج اسرتها ، و الفتى الذي لا يلقَ اهتماما من أمه و أخته سيبحث عن تعويض خارجي لذلك من الجنس الاخر ، ولعل ذلك احد أسباب كثرة العلاقات المبكرة و غير الناضجة بين الجنسين ، ليأتي المجتمع بعد ذلك و ينعت هؤلاء (بقلة الحيا) .
إضافة إلى ما تقدّم فأنا لا أنكر الاحتياج العاطفي و السلوك الفطري للارتباط كدوافع طبيعية و سليمة لإنشاء العلاقات و لكنّي في هذا المقام أتحدث عن تعويض الاهتمام المفقود كدافع لإنشاء مثل هذه العلاقات والتي غالبا ما تأتي في وقت مبكّر من العمر .
تعليقات
إرسال تعليق